الخصائص :
الميزات والصفات التي ينفرد بها دين الإسلام عن غيره من الديانات والمناهج الأخرى .
وأما الإسلام : فهو الإستسلام لله بالتوحيد والآنقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله .
الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله تعالى للعالمين وأخبر سبحانه أنه لا يقبل من أحد سواه فقال جل وعلا :( إن الدين عند الله الإسلام ) وقال سبحانه :( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الأخرة من الخسرين ) وقد عرفه النبي في حديث جبريل عليه السلام وفيه أركان الإسلام حيث سأله فقال : يا محمد ! أخبرني عن الإسلام ؟ فقال رسول الله ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ) قال : صدقت
ولا شك أن دين الإسلام هو الدين الحق المنزل من عند الله تعالى وهو منهج الحياة المتكامل القائم على ما جاء في كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وما ثبت من سنة نبي الهدى محمد وذلك خلافا لما سواه من المناهج والأديان الأخرى ولعل عرضا عاما لتلكم المناهج القائمة بين الناس على هذه البسيطة يجلي الصورة ويضحها .
المناهج الموجودة على الأرض :
إن النظم القائمة كلها - عدا دين الله تعالى الإسلام - لا تخرج عن أحد هذه الأصناف الثلاثة :
الأول : منهج ديني محرف / فهو إلهي في الأصل وله كتاب سماوي من عن الله ولكن دخله التحريف والتبديل والحذف والزيادة فاختلط فيه كلام الله تعالى بكلام البشر وأهوائهم ومثاله : اليهودية والنصرانية
الثاني : منهج ديني بشري / فهو ديني لأن فيه القيام يأداة طقوس تعبد وتأله يؤديها الإنسان لمألوه أو لعدد من الآلهة من بشر وحجر ومال وهوى وشهوة وغير ذلك وقد لا يكون فيها صلاح حال هذا الإنسان ولا تنظيم حياته وإنما طقوس غامضة أو مرعبة . وهو دين بشري لأنه من صنع البشر فليس له أصل من عند الله تعالى ومن أمثله ذلك : الهندوسية والبوذية وعبادة الشيطان وعبادة الأصنام وغيرها
ثالثا : منهج مدني بشري خاص / فهو مدني لأنه نظام حياة دنيوية يعني بتنظيم حياة الإنسان الدنيوية وتحقيق مصالحه وفق ضوابط وقيود دنيوية وبشري لأن مصدره البشر أفرادا أو جماعات فهو نتاج تفكير الإنسان واجتهاده وتنظيره ومن أمثلة ذلك العلمانية ( secularism ) الشيوعية الرأسمالية الوجودية وغيرها كثير .
هذه هي المناهج القائمة بين يدي البشر على وجه الأرض ويبقى الإسلام وحده بصفائه ونقائه وسموه و كماله من بين سائر المناهج والأديان هو القادر على البقاء في خضم الصراعات الثقافية والفكرية والحضارية لأنه يمتلك خصائص تؤهله لذلك ويكفي وعد الله العليم الخبير القوي القادر بأن العاقبة للمتقين يفول جل وعلا :( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكفرون * هة الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الذين كله ولو كره المشركون ) وإن أحداث الأيام الحالية وما تبع أحداث الحادي عشر من سبتمبر من تطورات وضطرابات في العلاقات العالمية بين الحضارات لما يحتاج لو قفة نرى من خلالها مصداق كلام ربنا جل وعلا ففي الوقت الذي تتجه سهام الآتهام والتشويه لدين الإسلام من خلال دراسات علمية ونفسية للتعرف على الإسلام والتعرف على الطرق الأكثر أثرا في تشويه وتنفير الناس منه وتبني وسائل إعلامية قوية ومؤثرة الواقع دليلا على عظمة هذا الدين وقوته المؤثرة في العالمين فمع كل هذه الجهود الإبليسية ينتشر الإسلام بشكل أقوى مما هو عليه قبل هذه الأحداث وهذا نور الله والله تعالى متم نوره ولو كره الكافرون .
وفي حوار مع المستشرق الأيرلندي الدكتور ألفريد وايزكان - أستاذ الحضارة والعلوم الإجتماعية الذي أصدر أهم مجلة استشراقية متخصصة في أوروبا وهي مجلة ( حضارة الشرق ) حيث سئل عن مستقبل الإسلام في الغرب فقال : الإسلام دين المستقبل لو أحسن المسلمون عرضه بسبب وضوحه الشديد وعدم اصطدامه بالعلم والحضارة والرقي وإعماله العقل والتفكير ودعوته للتطور والأرتقاء الحضراي وخلوه من التناقضات اللامعقولة
ففي غمرة ما تعرض له المسلمون في أميركا بعد أحداث 11 سبتمبر الماضي من أذى معنوي ومضايقات سياسية واجتماعية و مالية هيأ ما يشبه الحوة في ضمير الأميركيين وعقولهم وإن جاءت متأخرة في محاولة جادة للتفاهم و التبصر والتأمل بخلفيات وبواعث ما حدث ماضيا وحاضرا.
ومن المؤشرات البارزة على تلك الحوة التي ما زالت قائمة إلى اليوم إقبال الأميركيين على زيارة المساجد والمؤسسات الدينية والثقافية واستضافة بعض المحطات التلفازية لبعض الشخصيات الإسلامية والأميركية للحديث عن القضية الفلسطينية والانتفاضة التي تعرضت إثر ذلك الى انتقادات عنيفة من قبل اللوبي الصهيوني .
كذلك التهفت الواسع على شراء نسخ من القرآن الكريم التي نفدت من الأسواق بسبب المافسة على الشراء وغيرها من الكِلفات التي تتعلق بالعقيدة والتاريخ الحضارة الإسلامية . ولئن اختلفت دوافع الأميركيين وراء تهافتهم على شراء الكتب الإسلامية فإن ذلك بالتأكيد سوف يصب في صالح الإسلام .
وفي حوار مع الدكتوور فرانسوا بورجا نشرته مجلة ( لا فيريتي ) الفرنسية ونشرت مجلة المجتمع ترجمة له قال : طرحتم السؤال الأول عن أحداث سبتمبر 2001 وأريد أن أقول لكم إن الغرب استطاع بعد تلك الأحداث مثلا أن يتعرف على الإسلام أكثر مما كان متاحا في وقت آخر في فرنسا اعترفت دور النشر الكبيرة أن الكتب الأكثر رواجا في السنوات الأخيرة هي التي تناولت الإسلام وهذا أسميه اهتماما كبيرا بالإسلام ليس في فرنسا بل في أوربا وأمريكا نفسها .
أمريكا نفسها اعترفت أن مليون شخص اعتنقوا الإسلام منذ سبتمبر 2001 وهو لم يحسب له الأجهزة الأمنية الأمريكية حسابا لأنها لم تتوقعه وجد فيه ما فقده في الحضارة الغربية القائمة على المادة حيث وجدوا فيه الخصائص التي لا توجد في أي دين آخر .
الخاصية الأولى : ( دين إلهي )
الإسلام دين الله الذي ارتضاه للعالمين وهذه الخصيصة أعظم خصائصه وأسماها فما سواها من الخصائص نتيجة لها وثمرة من ثمارها .
دين أنزله الله تعالى على نبينا محمد عليه السلام وتكفل بحفظه ونصره وإظهاره على الدين كله .
دين من عند الله تعالى مصدره القرآن العظيم والسنة المطهرة الصحيحة ,القرآن الكريم كلام الله المنزل على رسوله محمد وقد حفظه الله تعالى :( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحفظون ) والسنة المصدر الثاني وحي من عند الله تعالى كما قال جل وعلا عن نبيه محمد ( وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحى يوحى ) ويبين الله تعالى مهمة النبي محمد وهي إبلاغ دين الله إلى الناس فقال جل وعلا :( وما على الرسول إل البلغ ) فهو واسطة في إبلاغ شريعة الله تعالى من الله سبحانه إلى خلقه وبيانها لهم والله جل وعلا يقول في آمحكمه :( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت ندري ما الكتب ولا الإيمن ولكن جعلنه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صرط مستقيم * صرط الله الذي له ما في السموت وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور )
وجانب آخر من إلهية هذا الدين فكما أن مصدره عند الله تعالى فكذلك غايته وهدفه تحقيق مرضاة الله والقيام بعبادته فهذه الغاية التي من أجلها خلق الله الجن والإنس كما قال سبحانه ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليغبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرازق ذو القوة المتين )
ولهذه الخصيصة ثمرات منها :
1- أنه يبين الحقائق الكبرى التي لا يستطيع الإنسان معرفتها إلا بالوحي المعصوم كمعرفة الخالق وصفاته وأمره ونهيه وبداية الخليقة والغاية من خلق الأنسان .
2- أنه دين من عند الله تعالى سالم من النقص و التعارض و الهوى والحيف والظلم فهو شرع الله العليم الخبير سبحانه الذي لا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء يقول الله تعالى مبينا عظمة دينه واتفاق تشريعاته :( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لو جدوافيه اختلفا كثيرا ) .
3- موافقته للعلم الصحيح والعقل السليم فهو دين يعتني بالعلم ويمجد العلماء ويحرم العقل ويخاطب عقل العقلاء وقد بين جل وعلا مكانة العلم والعقل ومنزلة أهلهما فقال سبحانه :( وتلك الأمثل نضربها للناس وما يعقلها إلا العلمون )
4- تحرير الإنسان من عبودية الإنسان والهوى فيخلص في عبادته الله رب العالمين سبحانه وتعالى ويعمل وفق شرعه وتوجيهه وأمره ونهيه .
عندما نزل قول الله تعالى عن اليهود والنصارى ( اتخذوا أحبارهم ورهبنهم أربابا من دون الله ) سمع عدي بن حاتم النبي يقول :( أما إنهم لم يكونوا يعدونهم ولكنهم كانوا اذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه )
وكما قال ربعي بن عامر بين يدي رسم قائد جيوش كسرى :( إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام )
5- تلبية مطالب النفس البشرية وذلك بتشريع ما يصلح لها وما يصلحها فهو دين الله الذي خلق الإنسان ويعلم ما يتناسب مع هذه النفس البشرية :( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير )
الخاصية الثانية : دين شامل
شرع الله سبحانه وتعالى للأمة دينا شاملا في أحكامه وتشريعاته للثقلين من الجن والإنس ولكل تصرفاتهم وعلاقاتهم حيثما كانوا فوق أي أرض وتحت كل سماء يقول المولى جل وعلا :( ونزلنا عليك الكتب تبينا لكل شيء ) فهو ( دين ودولة ) وهو عقيدة وعبادة وهو حكم وقضاء وشريعة وقانون ومصحف وسيف وجهاد ودعوة وسياسة واقتصاد وعلم وخلق وتوجيه .
وتتضح شمولية الإسلام في صور منها :
1- أنه دين شامل للثقلين : الجن والإنس فأما الإنس فظاهر في نصوص القرآن العظيم يقول الله جل وعلا :( وما أرسلنك إلا رحمة للعلمين ) ويقول سبحانه ( قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) وأما الجن فيقول الله تعالى ( وما خلقت الحن والإنس إلا ليعبدون )
2- أنه دين شامل للزمان كله من نبينا محمد إلى قيام الساعة .
3- دين شامل للمكان فليس خاصا بإقليم دون آخر ولا بأمة دون أخرى شمولية مكانية يطالب بهذا الدين كل البشر في أي مكتن ومن أي أمة وبتأكيد بها أن السملم مطالب بتنفيذ أحكام دين الله تعالى في كل مكان .
4- دين شامل للإنسان في مراحل حياته المختلفة وفي علاقاته المتعددة يوجهها إلى ما فيه صلاحه ورفعته وحفظه وهدايته .
5- دين شامل لحركة الكون والحياة يراعيها في أحكامه وتشريعاته فلا تنفك الأحكام الشرعية عن حركة الكون بأفلاكه وأجرامه وليله ونهاره وحره وقره فهناك عبادات مرتبطة بحركة الشمس كالصلوات الخمس والسحور والإفطار وعبادات مرتبطة بدورة القمر كالصيام والحج وغير ذلك فيراعي ذلك في بيان مهمة الإنسان تجاهها ودورة نحوها وتوجيهه إلى ما فيه عمارتها وصلاحها فالكون والخلق كله لله سبحانه وتعالى :( له ما في السموت وما في الارض وما بينهما وماتحت الثرى )
6-دين شامل في توجيه نظر الإنسان إلى الدنيا والآخرة فهما داران متكاملتان للإنسان في كل منهما نصيب فالدنيا مزرعة للآخرة يزرع فيهما ما يرغب جنية في الأخرة يقول الله جل وعلا :( وابتغ فيما ءاتك الله الدار الأخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين )
وبهذا يتأكد للمسلم أنه ما من شأن من شؤونه ولا تصرف من تصرفاته إلا والله تعالى فيه حكم وقضاء وأن دين الإسلام منهج حياة مهيمن على كل تصرفات الإنسان فيرد بذلك على كل من يعترض على نظرة الإسلام الشمولية لشؤون الحياة السياسية والأقتصادية والأجتماعية والأدبية وغيرها ممن يرددون مقالات مستوردة كقولهم ( ما لله لله وما لقيصر لقيصر ) وقولهم ( لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة ) وبقال لهم بأن لله كل أمر ونهي وتدبر وحكم وقضاء ( قل إن الأمر كله لله ) ويقول جل وعلا:( لله الأمرمن قبل ومن بعد ) وقد أنكر الإسلام أشد الإنكار على من يأخذ من الدين ما يهوى ويدع ما لا يوافق هواه وينسى أن الأسلام كل لا يتجزأ يقول جل وعلا :( إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريد ون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكفرون حقا وأعتدنا للكفرين عذابا مهينا )
الخاصية الثالثة : دين الفطرة
والمراد بالفطرة الأبتداء والأختراع والمعنى في قوله :( كل مولود يولد على الفطرة ) أنه يولد على نوع من الجبلة والطبع المتهيئ لقبول الدين فلو ترك عليها لا ستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها وإنها يعدل عنه من يعدل لآفة من آفات البشر والتقليد .
فالإسلام هو الدين الذي جبل الله الناس عليه وهيأهم لقبوله والعمل به فلا يتعارض مع طبيعة الإنسان ولا يتضاد مع رغباته بل يتفق معها ويوجهها ويرشدها إلى الأصح والأسلم فلو يجرد الإنسان من الهوى والعناد لا عترف بين الإسلام وأنه الدين الحق ( فأقم وجهك للدين فطرت الله التي فطر النساس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله :( ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه وكما تنتج البهيمة جمعاء . هل تحسون فيها من جدعاء ؟ ) ثم يقول أبو هريرة : واقرأوا إن شئتم : ( فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ) فالله جل وعلا خلق الناس حنفاء كلهم ثم اجتالتهم شياطين الجن والإنس فصرفتهم عن الحق والهدى والفطرة السليمة ففي حديث عياض ابن
حمار المجاشعي أن رسول الله قال ذات يوم في خطبته :( ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا وفيه : وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب )
الخاصية الرابعة : الوسيطة
وهي العدل والفضل والخيرية والتوازن فالإسلام دين الوسط في كل الأمور عقيدة وشريعة وأخلاقا وهو وسط بين غلو الديانات الأخرى وتفريطها وهو وسط يجمع بين مطالب الروح والجسد والفرد والمجتمع فلا يغلب جانبا على آخر إلا بما يتناسب مع صلاح الروح وسلامة الجسد وفلاح الفرد وإصلاح المجتمع .
وكما يأمر بالعبادة والعمل للدار الآخرة يوجه إلى السعي في طلب الرزق والمعاش في الدنيا ويعتبر ذلك عبادة ( وابتغ فيما ءاتك الله الدار الآخرة ولا تنسنصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين ) إن أمة الإسلام أمة وسط شهد لها بذلك خالقها سبحانه وتعالى ورتب على ذلك مكانتها ومنزلتها ودورها في هذا الكون وبين الأمم :( وكذلك جعلنكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) فقوله سبحانه ( وسطا ) أي عدلا ووسط الشيء أو أوسطة بمعنى أفضله وأعدله وخياره يقول الإمام أبن جرير رحمه الله تعالى :( إنما وصفهم الله - تعالى ذكره- بأنهم وسط لتوسطهم في الدين ) ونماذج وسطية الإسلام كثيرة وليس المجال لذكرها ولكن نعرض لبعض الصور التي تدل على شيء من ذلك :
1- عن أنس بن مالك قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي يسألون عن عبادة النبي فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا : وأين نحن من النبي قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أحدهم :أما أنا فإني أصلي الليل أبدا وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا فجاء رسول الله إليهم فقال :( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني )
2- ورأى النبي حبلا ممدودا بين ساريتين فسأل عنه فأخبر أنه لزينب تتمسك به إذا كسلت عن الصلاة فأمر بإزالته وقال :( ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد )
3- وحدث عبد الله بن عمرو أن رسول الله قال له :( يا عبد الله ألم أخبرأنك تصوم النهار وتقوم الليل ؟ ) قلت :بلى يا رسول الله قال :( فلا تفعل صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا ) وحينما نذكر وسطية الأسلام من خلال هذه الأحاديث والمواقف وغيرها يجب علينا ألا ننسى ما يقابل ذلك وهو التفريط فكما ذم النبي هذا الغلو وذطلب الزيادة في العمل تعبدا لله فإن ذلك يعني التنبه للمقابل وهو الوقوع في التفريط والترك لشيء مما شرع الله تعالى كترك الفرائض ومواقعة الذنوب والاستهانة بالمعاصي : فكلا طرفي الأمر خطأ ومخالف لدين الله تعالى الزيادة غلو في دين الله تعالى والترك تقصير في حق المولى جل وعلا .
وشريعة الله تعالى هي الوسط القائم على أداء ما شرع الله تعالى من غير تفريط ولا إفراط .
الخصيصة الخامسة : دين العلم
للعلم في الإسلام مكانة سامية ويكفي دلالة على ذلك أن أول كلمة نزلت من عند الله تعالى على نبيه هي قوله تعالى :( اقرأ) دين يحترم العلم ويجل العلماء ويرى أن العلم طريق للخشية والخضوع والانقياد لأمر الله تعالى كما قال سبحانه :( إنما يخشى الله من عباده العلمؤأ)دين يرفع شأن العلم :( قل هل يشتوي الذي يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألبب) وآيات القرآن العظيم توجه إلى التفكر والتدبر والنظر وإعمال العقل واللب في الوصول إلى الحق والصواب
ولهذا ختم الله تعالى كثيرا من الأيات بالأمر بذلك والحث عليه كما في قوله سبحانه ( لعلكم تعقلون ) ( أفلا تعقلون ) (لأيت لقوم يعقلون )( وما يذكر إلا أولو الألبب ) ( أنما يتذككر أولو الألبب ) وقد أرشد الله تعالى في القرآن العظيم إلى أن الكون بحقائقه يتفق مع ما جاء في القرآن العظيم وأن العلم الصادق يزيد الإيمان في النفس فقال جل وعلا :( سنريهم ءايتنا في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ) هذا هو العلم وهذا شيء من موقف الإسلام منه مطلب العلم المادي الذي تحتاجه الأمة وتستغني به عن سواها من الأمم الكافرة واجب من الواجبات وذلك لما يترتب عليه من استقلال الأمة وغلبتها وتمكنها من الصناعة والأنتاج .
والأنسان مهما بلغ في درجات العلم المادي البحت فإنه لا يزال قاصرا عن أن يحيط علما بكل شيء فالله تعالى يخبر عن ذلك فيقول :( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) وقد أثر ذلك تأثيرا حضاريا قويا في الأمه وكان ذلك دافع من الدين الإسلامي الذي شجع العلم وقدر العلماء ودعا إلى التأمل والتفكر والتجريب وأوروبا مدينة لهم بذلك ) ولهذا فهناك فرق شاسع بين موقف الإسلام من العلم وخاصة العلوم التجريبية وموقف الكنيسة من ذلك خاصة ما كان في أوربا قبل الثورة الفرنسية وسيطرة الكنيسة ورجالاتها على عقول الناس وتفكيرهم وتحريمها كل محاولة للتحرر من العبودية لرجل الكنيسة وما نتج عن ذلك من الثورة على الكنيسة بينما الإسلام قام أصلا على العلم والتوجيه إليه والتحاكم إليه فلا يصح عقلا ولا واقعا إسقاط أخطاء الكنيسة الباطلة على دين الإسلام وادعاء أن الدين الإسلامي عائق عن العلم ومانع من التقدم التقني والصناعي وإن كان ذلك منهاج لمن لا معرفة عنده أو من كان قصده غير الحق
وإن المطلع على قرارات المجامع العلمية - وخاصة ما يختص منها بالإعجاز العلمي في القرآن والسنة - وما توصل إليه العلماء من حقائق علمية تتطابق مع ما جاء به الخبر في دين الله تعالى يرى إعجاز دين الإسلام فيجد في ذلك الطمأنينة والثقة والأنس بأن الله تعالى أنعم عليه بالهداية للإسلام وأكرمه باتباع سيرة خير الأنام محمد عليه الصلاة والسلام
وحيث إننا نعيش عصر حضارة مادية طغت على مشاعر الإنسان وشغلت أحاسيسه فإن نعمة الله تعالى على أمة الإسلام في أن يتواكب هذا الدين بأصوله مع مقتضيات المرحلة وتظهر دلائل الإعجاز وإقامة الحجة على الناس في صور ظاهرة وصريحة لا يمكن لأي بشر أن ينكرها ولا أن يتنكر لها لهي دلائل على عظمة هذا الدين وعنايته بالعلم ولهذا فتجدر الإشارة إلى بعض من الصور الدالة على هذا الأمر المهم مما تتجلى فيه صور الإعجاز العلمي في القرآن العظيم والسنة النبوية المطهرة وتكون الإشارة دون التفصيل فمن ذلك : علم الفلك وما في هذا الكون الفسيح من عظيم صنع الله تعالى وما توصل له البشر من حقائق سبق إليها الإسلام .
الأرض وما طرأ عليها من تغيرات وحركة دورة الماء فيها والجبال وتثبتها للأرض والشمس والقمر وجريانها كل في فلك يسبحون
الإنسان وخلقع وما في ذلك من حقائق جاءت صريحة في القرآن الكريم ووقف على بعضها المكتشفون من الغربيين والشرقيين كعلم الأجنة وما فيه ومراحل خلق الأنسان وطبيعة نفسه ونهايته .
عالم البحار وأمواجه ووجود الماء العذب في أماكن من البحار المالحة لا تمتزج وتمايز مياه الأنهار عن اختلاطها بمياه البحر فلا يطغى ماء البحر غلى ماء النهر وكل ذلك العلم مع أن رسول الله ما ركب بحرا ولا عاش قرب شاطيء .
إلى غير ذلك من دلائل الإعجاز وبراهين الحق التي تقوم على البشر في صدق ما جاء به رسول الله .
ولنعرض لذكر أمثلة مختصرة على الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة :
* أسلم بعض الفلكيين لما سمع قول الله تعالى :( فلا أقسم بمواقع النجوم *وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ) وقال تصديقا لهذه الآية : حقا إننا لا نرى إلا مواقعها القديمة التي لم يصلنا ضوءها لمواقعها .
* إخبار الله بضيق التنفس عند الصعود إلى أعلى ( الضغط الجوي ) يقول سبحانه :( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ) فذه حقيقة علمية حديثة .
* أخبر الله عن موجين في البحار : الموج الذي نراه وموج آخر داخل البحار لم يكتشفه العلماء إلا حديثا ً فقد قال سبحانه :( أو كظلمت في بحر لجي يغشه موج من فوقه سحاب ظلمت بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يرها ومن لم يجعل الله له نورا فما من نور ) ولما سمع بحار إنجليزي بهذه الأية سأل هل ركب محمد البحر ؟ فلما قيل له :لا آمن على الفور وقال : إن ما ذكره محمد إنما هو من عند الله وليس من تلقاء نفسه
* ومما ذكره الله عن البحر ( وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجراً محجوراً )فلا تخلط مياه البحر ولا تطغي على مياه الأنهار مع أنها تلتقي بل جعل الله حاجزا طبيعيا يمنع انتقال الملح إلى مياه الأنهار حتى في حالت المد .
* مراحل خلق الأنسان بدءا بأصله وهو من تراب ثم أحوال الجنين في بطن أمه قال سبحانه :( ولقد خلقنا الإنسان من سللة من طين * ثم جعلنه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظما فكسونا العظم لحما ثم خلقنا ءاخر فتبارك الله أحسن الخلقين )
وجاء الطب الحديث بما يوافق تلك الحقائق التي نزلت على النبي قبل أربعة عشر قرنا حتى أسلم عدد من علماء الأجنة
*أخبر الله سبحانه عن بداية الأرض وأنها كانت ملتصقة مع الشمس ثم انفصلتا وأن الماء أصل كل الحياة ودور الجبال في ثبات الأرض وحفظ توازنها وجريان الشمس والقمر كل في فلك يخصه ( أولم ير الذين كفروا أن السموت والأرض كانتا رتقا فقتفنهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون * وجعلنا في الأرض روسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون * وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن وهم عن ءايتهم معرضون * وهو الذي خلق اليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ) فهذه آيات الله تعالى مسطورة في كتابه العظيم ومبثوثة في سنة نبيه الكريم وشاهدة صدق في واقع الكون والحياة ويهدي بها الله عباده إلى وحدانيته وألوهيته وأسمائه وصفاته جل وعلا .
الخصيصة السادسة : دين الأخلاق
الإسلام دين الأخلاق فما من حكم شرعي في دين الإسلام إلا ويلبي مقصدا خلقيا حميدا للإنسان ولهذا كان قول نبينا محمد ( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ) وفله :(إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاق وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون .قالوا :يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون ؟ قال : المتكبرون ) فالثرثة والتشدق والتفيهق صفات ذميمة لما تنضمنه من معنى العجب بالنفس والرد للحق والتعالي على الخلق .
وفي الحديث :( إن من خياركم أحسنكم أخلاقا )
ثم إن لازم من يتمسك بالإسلام أن يكون حسن السلوك الخلق شريف المعاملة ولقد كان في سيرة الرسول وصحابته الكرام وسلف الأمة أعظم مثال على ذلك المجتمع الأخلاقي المثالي .
والله جل وعلا حين أثني على نبيه محمد كان ثناؤه سبحانه بأبلغ وأرفع عبارة في قوله جل وعلا :( وإنك لعلى خلق عظيم ) وحين يقرأ المسلم القرأن العظيم أو يتتبع سنة رسول الله يجد أن الله تعالى يؤكد على صفات أهل الإمان بأنها الصفات الفضلة ويفصل في ذكرها تفصيلا يبين سمو أخلاق هذا الدين ومقاصده في صبغ الناس بهذه الصبغة الأخلاقية الإلهية السامية يقول الله حل وعلا :( قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خشعون * والذين هم عن اللغو معرضون * والذين هم للزكوة فعلون *والذين هم لفروجهم حفظون* إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ) وقال جل وعلا عن عباد الرحمن :( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلما * والذين يبيتون لربهم سجدا وقيما *والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما * إنها ساءت مستقرا ومقاما * والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما * والذين لا يدعون مع الله إلها ءاخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما ) وفي سنة نبينا محم من النصوص ما يؤكد على هذه الحقيقة ويجعلها وصفا رئيسا من صفات المؤمنين : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) ويقول رسول الله ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) وهو الدين الصدق كما قال الله تعالى ( يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصدقين ) وهو دين الصبر كما قال ( إنما يوفى الصبرون أجرهم بغير حساب ) وهو دين التسامح والعفو ( خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجهلين )
وهو دين التعاون والنصرة ( وتعاونوا على البر و التقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) وهو دين الوفاء ( يأيها الذين ءامنوا أوفوا بالعقود ) إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الكثيرة التي تحث على الأخلاق الفاضلة
وتتجلى هذه الخصيصة في أحكام هذا الدين وتفاصيلات شريعة الله تعالى فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والزكاة فيها التربية على السخاء النفس وبذلها وفي الصوم تلمس أحوال الفقراء والشعور بحاجاتهم وفي الحج نهي عن الرفث و القسوق والجدال والصخب وتدريب النفس على الصبر والإثار والمعاملات بين الناس تقوم على الوضح والمصلحة المتبادلة وتذم الأحكام الشرعية الأنانية والمكر والغش والخداع والأحتكار وكل ما في جهالة وغرر .
ثم إن من دلائل أخلاقية الإسلام أن المسلم وهو في أقسى المواقف وأشد الأوقات في الحرب وحين يطرب ضجيج السلاح أسماع الأبطال وحين تحمل الأرواح على الأكف وحين يتقابل المسلم مع الكافر في الحرب تتجلى أخلاقية الإسلام ( وقتلوا في سبيل الله الذين يقتلوكم ولا تعتدوا إن الله لا يجب المعتدين ) ويقول جل وعلا :( ولا يجر منكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) ولقد كان من سنن رسول الله ووصاياه لمن يبعثهم من جند الإسلام ما فيه سمو أخلاق هذا الدين فقد كان إذا بعث أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال ( اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر في الله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا ..) فهذه لمحة سريعة لهذه الخصيصة التي يمتاز بها دين الإسلام عما سواه من المناهج الأخرى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق